الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
لتنزهه عز وجل عن الاحتياج وتقدسه تعالى عن مماثلة أحد.{وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} يشاركه سبحانه في الألوهية {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} أي لاستبد بالذي خلقه واستقل به تصرفًا وامتاز ملكه عن ملك الآخر {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} ولوقع التحارب والتغالب بينهم كما هو الجاري فيما بين الملوك والتالي باطل لما يلزم من ذلك نفي ألوهية الجميع أو ألوهية ما عدا واحدًا منهم وهو خلاف المفروض أو لما أنه يلزم أن لا يكون بيده تعالى وحده ملكوت كل شيء وهو باطل في نفسه لما برهن عليه في الكلام وعند الخصم لأنه يقول باختصاص ملكوت كل شيء به تعالى كما يدل عليه السؤال والجواب السابقان آنفًا كذا قيل، ولا يخفى أن اللزوم في الشرطية المفهومة من الآية عادي لا عقلي ولذا قيل: إن الآية إشارة إلى دليل إقناعي للتوحيد لا قطعي.وفي الكشف قد لاح لنا من لطف الله تعالى وتأييده أن الآية برهان نير على توحيده سبحانه، وتقريره أن مرجح الممكنات الواجب الوجود تعالى شأنه جل عن كل كثرة أما كثرة المقومات أو الأجزاء الكمية فبينة الانتفاء لإيذانها بالإمكان، وأما التعدد مع الاتحاد في الماهية فكذلك للافتقار إلى المميز ولا يكون مقتضى الماهية لاتحادهما فيه فيلزم الإمكان، ثم المميزان في الطرفين صفتا كمال لأن الاتصاف بما لا كمال فيه نقص فهما ممكنان مفتقران في الوجود إلى مكمل خارج هو الواجب بالحقيقة، وكذلك الافتقار في كمال ما للوجود يوجب الإمكان لإيجابه أن يكون فيه أمر بالفعل وأمر بالقوة واقتضائه التركيب والإمكان.ومن هنا قال العلماء: إن واجب الوجود بذاته واجب بجميع صفاته ليس له أمر منتظر ومع الاختلاف في الماهية يلزم أن لا يكون المرجح مرجحًا أي لا يكون الإله إلهًا لأن كل واحد واحد من الممكنات إن استقلا بترجيحه لزم توارد العلتين التامتين على معلول شخصي وهو ظاهر الاستحالة فكونه مرجحًا إلهًا يوجب افتقار إليه وكون غيره مستقلًا بالترجيح يوجب الاستغناء عنه فيكون مرجحًا غير مرجح في حالة واحدة، وإن تعاونا فكمثل إذ ليس ولا واحد منهما بمرجح وفرضًا مرجحين مع ما فيه من العجز عن الإيجاد والافتقار إلى الآخر، وإن اختص كل منهما ببعض مع أن الافتقار إليهما على السواء لزم اختصاص ذلك المرجح بمخصص يخصصه بذلك البعض بالضرورة وليس الذات لأن الافتقار إليهما على السواء فلا أولوية للترجيح من حيث الذات ولا معلول الذات لأنه يكون ممكنًا والكلام فيه عائد فيلزم الحال من الوجهين الأولين أعني الافتقار إلى مميز غير الذات ومقتضاها ولزوم النقص لكل واحد لأن هذا المميز صفة كمال ثم مخصص كل بذلك التمييز هو الواجب الخارج لا هما، وإلى المحال الأول الإشارة بقوله تعالى: {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} وهو لازم على تقدير التخالف في الماهية واختصاص كل ببعض، وخص هذا القسم لأن ما سواه أظهر استحالة، وإلى الثاني الإشارة بقوله سبحانه: {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} أي إما مطلقًا وإما من وجه فيكون العالي هو الإله أو لا يكون ثم إله أصلًا وهذا لازم على تقديري التخالف والاتحاد والاختصاص وغيره فهو تكميل للبرهان من وجه وبرهان ثان من آخر، فقد تبين ولا كفرق الفجر أنه تعالى هو الواحد الأحد جعل وجده زائدًا على الماهية أولًا فاعلًا بالاختيار أولا، وليس برهان الوحدة مبنيًا على أنه تعالى فاعل بالاختيار كما ظنه الإمام الرازي قدس سره انتهى، وهو كلام يلوم عليه مخايل التحقيق، وربما يورد عليه بعض مناقشات تندفع بالتأمل الصادق.وما أشرنا إليه من انفهام قضية شرطية من الآية ظاهر جدًا على ما ذهب إليه الفراء فقد قال: إن إذًا حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة نحو {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ} فكأنه قيل: لو كان معه ءالهة كما تزعمون لذهب كل الخ.وقال أبو حيان: إذا حرف جواب وجزاء ويقدر قسم يكون {لَذَهَبَ} جوابًا له، والتقدير والله إذا أي إن كان معه من إله لذهب وهو في معنى ليذهبن كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّواْ} [الروم: 51] أي ليظلن لأن إذًا تقتضي الاستقبال وهو كما ترى، وقد يقال: إن إذا هذه ليست الكلمة المعهودة وإنما هي إذًا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها التنوين كما في يومئذ والأصل إذا كان معه من إله لذهب الخ، والتعبير بإذا من قبيل مجاراة الخصم، وقيل: {كُلُّ إله} لما أن النفي عام يفيد استغراق الجنس و{مَا} في {بِمَا خَلَقَ} موصولة حذف عائدها كما أشرنا إليه.وجوز أن تكون مصدرية ويحتاج إلى نوع تكلف لا يخفى.ولم يستدل على انتفاء اتخاذ الولد إما لغاية ظهور فساده أو للاكتفاء بالدليل الذي أقيم على انتفاء أن يكون معه سبحانه إله بناء على ما قيل إن ابن الإله يلزم أن يكون إلهًا إذ الولد يكون من جنس الوالد وجوهره وفيه بحث {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} مبالغة في تنزيهه تعالى عن الولد والشريك، وما موصولة وجوز أن تكون مصدرية.وقرىء {تَصِفُونَ} بتاء الخطاب.{عالم الغيب والشهادة} أي كل غيب وشهادة، وجر {عالم} على أنه بدل من الاسم الجليل أو صفة له لأنه أريد به الثبوت والاستمرار فيتعرف بالإضافة.وقرأ جماعة من السبعة وغيرهم برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم، والجر أجود عند الأخفش والرفع أبرع عند ابن عطية، وأيًا ما كان فهو على ما قيل إشارة إلى دليل آخر على انتفاء الشريك بناء على توافق المسلمين والمشركين في تفرده تعالى بذلك.وفي الكشف أن في قوله سبحانه: {عالم} إلخ إشارة إلى برهان آخر راجع إلى إثبات العلو أو لزوم الجهل الذي هو نقص وضد العلو لأن المتعددين لا سبيل لهما إلى أن يعلم كل واحد حقيقة الآخر كعلم ذلك الآخر بنفسه بالضرورة وهو نوع جهل وقصور، ثم علمه به يكون انفعاليًا تابعًا لوجود المعلوم فيكون في إحدى صفات الكمال أعني العلم مفتقرًا وهو يؤذن بالنقصان والإمكان {فتعالى} الله {عَمَّا يُشْرِكُونَ} تفريع على كونه تعالى عالمًا بذلك كالنتيجة لما أشار إليه من الدليل.وقال ابن عطية: الفاء عاطفة كأنه قيل علم الغيب والشهادة فتعالى كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته على معنى شجع فعظمت، ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى إلخ على أنه إخبار مستأنف. اهـ.
|